بحث عن
*جهود الدوله لتعمير الصحراء وخاصه سيناء*
جهود الدولة في تعمير صحراء سيناء:-
بالرغم من أن مصر خاضت تجارب عديدة في إنشاء مدن ومجتمعات عمرانية جديدة في المناطق الصحراوية بهدف تحقيق أبعاد إستراتيجية تنموية عمرانية وبيئية وسياسية واقتصادية واجتماعية، إلا أن هناك قصورا شديدا في تحقيق المعدلات المستهدفة لتلك المجتمعات الجديدة سواء في معدلات النمو السكاني أو النمو الاقتصادي أو النمو العمراني. وعلى ذلك وجب مراجعة تلك التجارب سواء من الجانب النظري أو التنفيذي بهدف تجاوز مشكلة السكان، والعمل على التوازن في الهيكل المكاني واستغلال الموارد المتاحة مع دعم ركائز عملية التنمية في مجال الزراعة والصناعة والإسكان، فضلا على ضرورة أن يتوافق أسلوب التنمية مع منظومة البيئة الصحراوية ذات التوازنات الدقيقة.
وتأتي أهمية البحث في ظل الحاجة الملحة إلى فتح محاور جديدة للتنمية في الصحراء تسهم في تفريغ المدن القائمة من السكان وجذبهم إليها من الوادي الضيق الذي لا تتعدى مساحته 4% من المساحة الإجمالية للبلاد ويقطنه حوالي 97% من السكان، فضلا عن تناقص هذه المساحة سنويا بسبب التعديات العمرانية المختلفة عليها.
يهدف البحث إلى تحليل وتقييم التجربة المصرية في إنشاء مدن ومجتمعات عمرانية جديدة في المناطق الصحراوية، ويتم ذلك من خلال: رصد نمو هذه التجربة، وتحليلها، للوقوف على أهم إيجابياتها وسلبياتها، وأهم المشكلات التي تعوق نموها في محاولة لفهم واستخلاص أهم نتائج هذه التجربة والخبرات المستفادة منها، ومدى انعكاساتها على برامج وعمليات التنمية الشاملة بالدولة، حيث أن هذه النتائج والخبرات تمثل مدخلا أساسيا لرسم التوجهات الإستراتيجية المستقبلية عند التفكير في إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة على الأراضي الصحراوية في مصر.
مرت التجارب المصرية السابقة لتنمية المناطق الصحراوية عبر مسارها بمشاكل عديدة لم يتم تناولها بشيء من الدراسة والنقد والتقويم، والذي يحدد بوضوح مواضع الخلل والإخفاق، والتي في مجملها تنبع أساسا الثوابت السائدة في فكر تنمية الصحراء مع غياب الفهم الشمولي لطبيعة البيئة الصحراوية وطبيعة العلاقات المتشابكة مع المنظومات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، حيث تحتم طبيعة مشاكل الاستيطان الصحراوي ذي الأوجه المتعددة وجود إستراتيجيات جديدة لنمط التعمير الصحراوي، والتي قد تفرز في النهاية سياسات وتصورات واقتراحات قد تبدو مغايرة لكثير من الثوابت الموروثة في فكر تنمية الصحراء
ويأتي إنشاء المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة في الصحراء من أهم التجارب المصرية التي تهدف إلى تنمية المناطق الصحراوية وتعميرها والنهوض بها. ولتحليل هذه التجربة تجدر الإشارة أولا إلى دارسة التطور الزمني في فكر تنمية الصحراء، ثم الرصد الفعلي للتجربة من خلال تتبع حركة إنشاء المدن والمجتمعات الجديدة في الصحراء المصرية، ورصد أهم الملامح التخطيطية المميزة لها، وكذلك الوقوف علي أهم مراحل تنميتها.
التطور الزمني في فكر تنمية الصحراء المصرية:
إن منظومة البيئة الصحراوية ذات التوازنات الدقيقة تجعل من الاقتصاديات التخصصية أحادية البعد عنصرا غير متكيف مع العمران الصحراوي، فتجربة الزراعة الصحراوية مثلا في مصر مازالت تشير إلى هذا المعنى، حيث أن التوازنات البيئية الهشة تجعل تحويل الاتجاه من اقتصاديات مستهلكة إلى اقتصاديات لا تعتمد على البيئة بشكل مباشر كالصناعة والخدمات اتجاها متوازنا مع ندرة الموارد، هذا بالإضافة إلى ندرة الموارد المائية وعدم استمرارية المساحات القابلة للاستزراع تضع النشاط الزراعي بمفرده في مرتبة بعيدة عن الأولوية كأساس لاقتصاديات مستوطنات الصحراء، حيث أن احتياجات توليد النمو الذاتي للتنمية الصحراوية تتطلب توجها أساسيا للنمو بحجم صغير لوحدات التنمية المنتشرة بدلا من تمركز الاستثمارات في وحدات ضخمة .
وعلى ذلك تباين الفكر التنموي للصحراء المصرية عبر التتابع الزمني طبقا للعوامل والظروف المحيطة كما يلي:
• شهدت مصر منذ الحضارة المصرية القديمة ـ بداية بمدينة منف عاصمة الدولة القديمة ـ محاولات عديدة للاستفادة من مقومات التنمية بالمناطق الصحراوية، كما شهدت الصحراء المصرية إنشاء المدن المخططة ـ العسكر والفسطاط ـ للفاتحين العرب في عصر الفتح الإسلامي في مراحله الأولى.
• ترجع بعض الدراسات تاريخ نشأة المجتمعات الصحراوية إلى عام 1896م حيث تم حفر قناة السويس وتبعها إنشاء كل من مدن الإسماعيلية والسويس وبورسعيد كمدن مستقلة بذاتها، وبورتوفيق وبورفؤاد كمدن تابعة [3].
• مع بداية القرن العشرين ظهرت عدة محاولات غير حكومية ـ إلا أنها كانت تلقى الدعم من الدولة ـ لإنشاء المدن الجديدة أهمها: تجربة إنشاء ضاحية مصر الجديدة شمال شرق مدينة القاهرة وذلك عام 1905م، وضاحية المعادي على الضفة الشرقية للنيل في عام 1908م، والتجربة الثانية قام بها المستثمر اليوناني جناكليس في الثلاثينات حيث قام باستصلاح منطقة ضمن الصحراء الغربية غربا من مدينة الإسكندرية لزراعة العنب لقيام صناعة النبيذ في مصر، هذا بالإضافة إلى تجربة مديرية التحرير في الخمسينات [4].
• تمثل فترة ما بعد قيام ثورة 1952م الاهتمام بالانتشار في الصحراء خارج وادي النيل الضيق في صورة مشروعات لاستصلاح الأراضي وإقامة المجتمعات الزراعية الصحراوية لاستغلال فائض المياه بعد بناء السد العالي. وقد اعتمدت هذه المشروعات التعميرية على النشاط الزراعي في شكل وحدات اقتصادية ريفية صغيرة الحجم ومحدودة السكان.
• اتجهت الدولة في عام 1961م لاستصلاح الأراضي في الوادي الجديد وقد بلغت الطموحات في هذا المشروع إلى إنشاء مجتمعات جديدة تكون قادرة على استيعاب نحو 4 مليون نسمة، حيث تعد الخارجة مثالا للمجتمعات الجديدة التي أنشئت في هذه الفترة [5].
• في عام 1965م بدأت الحكومة في التفكير في إنشاء تجمع سكني على مساحة 6300 فدانا شرق مدينة القاهرة (مدينة نصر)، وفي عام 1971م تم التوسع في المشروع بإضافة 14000 فدان .
إنشاء المدن الجديدة في الصحراء المصرية:
في عام 1976م بدأت تتبلور ملامح فكر حكومي منظم للتخطيط لإنشاء مدن جديدة، وقد تمثلت أولى خطوات حركة إنشاء المدن الجديدة بتخصيص الأراضي الواقعة بين الكيلو 48 والكيلو 68 من طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي لإنشاء مدينة العاشر من رمضان، تبعها مدينة السادات ومدينة 15 مايو عام 1978م ثم مدينة السادس من أكتوبر عام 1980م. ثم شهدت الفترة التالية البدء في تخطيط وإنشاء المجتمعات الجديدة مثل العامرية الجديدة، والصالحية، والمدن الجديدة على امتداد وادي النيل، وكذلك التجمعات الجديدة حول القاهرة [7].
أهداف إنشاء المدن الجديدة:
تبنت الدولة سياسة الاتجاه إلى الصحراء وخلق ركائز جديدة للعمران خارج المنطقة المأهولة وكسر الأنماط التقليدية للنمو العمراني وامتدادات المدن العشوائية بهدف تحقيق الآتي [8]:
• إعادة رسم خريطة السكان وتوزيعهم الجغرافي في مصر ـ في إطار تخطيط إقليمي عمراني منبثق من تخطيط قومي ـ مع خلق بيئة حضرية جديدة أكثر تنظيما وجاذبية عمرانية تمتص جزءا من التكدس السكاني في المدن القائمة.
• الاتجاه خارج منطقة العمران المنحصرة في وادي ودلتا النيل إلى الجوانب الصحراوية للتخفيف من التكدس المبالغ فيه وحماية الأرض الزراعية المهددة بالزحف العمراني.
• حل مشاكل المدن القائمة ـ جزئيا ـ والتي تعاني من التزاحم وتدهور المرافق وضيق المساحات المتوفرة للتوسعات العمرانية.
• خلق حافز لتدفق رؤوس الأموال وجذب المستثمرين إلى المناطق الجديدة وذلك بتهيئة الظروف المناسبة للمشروعات في مجال الإنتاج الصناعي وفي مجال الخدمات.
• العمل على توطين الصناعات في مناطق محددة للاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة واستغلال الإمكانيات المختلفة الموجودة بالمناطق الصحراوية.
أنواع المدن والمجتمعات الجديدة:
تنقسم المدن الجديدة في مصر تبعا لتاريخ إنشائها إلى ثلاثة أجيال متتابعة , بينما تنقسم المدن الجديدة من حيث مواقع إنشائها ووظيفتها إلي ثلاثة أنواع هي: مدن تابعة، ومدن توائم، ومدن مستقلة.
مدن
تقع مدينة القاهرة حول وبالقرب منها، وتهدف علي المدى القصير والمتوسط إلى كسر حدة الكثافة السكانية لمدينة القاهرة والاستفادة الهياكل الأساسية المتوفرة فيها كالخدمات والعمالة في جذب السكان والأنشطة وخلق فرص عمل جديدة ومقومات اقتصادية ترتبط بالمدينة الأم، وهذه المدن هي مدينة 15 مايو للعاملين بحلوان و6 أكتوبر (مدن الجيل الأول) ، ومدينة بدر، والعبور (مدن الجيل الثاني).
وهذه المدن ليس لديها قاعدة اقتصادية، ولكنها تعتمد كلية على القاهرة مما جعلها في النهاية تمثل عبئا وإضافة عمرانية إلى المدينة الأم. وقد ساعد القرب الشديد لهذه المدن من المدينة الأم على الزحف العمراني بالكتلة العمرانية للمدينة الأم نحو هذه المدن [9].
مدن توائم:
تقع متاخمة للمدن الحضرية القائمة، وتعتبر في بعض الأحيان امتدادا طبيعيا لتلك المدن القائمة، ومن هذه المدن مدينة دمياط الجديدة، وبني سويف الجديدة، والمنيا الجديدة (مدن الجيل الثاني)، ومدينة أسيوط الجديدة، وأخميم الجديدة، وأسوان الجديدة (مدن الجيل الثالث).
وهذه المدن لا تعدو كونها أكثر من مناطق للسكن لا تتمتع بأي قاعدة أو ركيزة اقتصادية، إذ يعمل سكانها في المدينة الأصل ويعتمدون في جميع خدماتهم عليها
مدن مستقلة:
تبعد عن مواقع المدن القائمة بمسافات تدعم استقلالها الذاتي، وهي ذات قاعدة اقتصادية تهدف على المدى الطويل إلى إنشاء أقطاب للنمو الاقتصادي لها من الكيانات الاقتصادية المستقلة ما يؤهلها لتجميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المختلفة حول نقطة معينة للاستفادة من مميزات التجمع [11]، وتشمل مدن العاشر من رمضان والسادات وبرج العرب الجديدة والصالحية (مدن الجيل الأول).
وقد انعكست وظائف تلك المدن علي تنميتها، فمدينة العاشر من رمضان تركزت بها صناعات عديدة، إذ شكلت المنطقة الصناعية حيزا عمرانيا هائلا وضمت العديد من الخدمات، كما منحت تسهيلات لأصحاب الأعمال مما انعكس بالإيجاب علي معدلات التنمية بالمدينة، بعكس مدينة السادات ذات معدلات التنمية الضعيفة لأنها لم تحظ بقاعدة اقتصادية متينة يمكن الاعتماد عليها .
خاتمة
• إن إنشاء مدن ومجتمعات عمرانية جديدة في الصحراء بهدف تنميتها وتعميرها يتطلب فهما شموليا لطبيعة البيئة الصحراوية والمنظومات الاجتماعية والاقتصادية في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي، كما تتطلب آليات التنمية والتعمير أن تكون الدولة محفزة للنمو ومشجعة له. ولن تكون عملية التنمية والتعمير للصحراء مجدية بدون تضافر كافة الجهود وبدون تعاون الخبرات المختلفة كل في مجاله وتخصصه.
• تبرز أهمية الفكر التنموي الإقليمي في خطط إنشاء المدن الجديدة بالمناطق الصحراوية، ويشمل الفكر الإقليمي تحديد أهداف التنمية بما يتوافق مع كل نمط من أنماط التنمية الصحراوية، فضلا عن تحقيق شمولية التنمية. والشمولية هنا تعني المستويات التخطيطية (القومية ـ الإقليمية ـ المحلية)، وشمولية الأنشطة الاقتصادية (زراعة ـ صناعة ـ سياحة ـ خدمات ـ تعدين . . . إلخ).
• إن حتمية الخروج إلى الصحراء أمر متفق عليه من كافة المهتمين بأمور التخطيط إلا أن طريقة الخروج مازالت لم تحسم بعد. وأولويات تنمية المدن الجديدة الصحراوية يجب أن تحدد في ضوء مجموعة من الاعتبارات أهمها: الفائدة التي ستتحقق وخاصة على المدى القصير والمتوسط نظرا لتضخم المشكلات في المعمور الحالي، العائد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إمكانية تحريك السكان إلى المناطق الجديدة في ضوء الأبعاد الاجتماعية والثقافية، الدور الوظيفي لهذه المدن الصحراوية في إطار إستراتيجية التنمية على المستوى القومي.
اسم الموقــــــع: منتدى الشباب والرياضه
لا تحاول النسخ الا بعد الرد تحيات كريم حجازى